بحث عن الكعبة المشرفة
الكعبة المشرفة أشرف بناء في قلب المسلم، وبقعتها أقدس البقاع عنده؛ فإليها يهوي فؤاده، وإليها تحن نفسه، وبمشاهدتها تتحرك مشاعره، ويرق قلبه، وتفيض مدامعه، وإذا ذكرت الكعبة عند المسلم اهتز القلب بالتعظيم، وتحرك بالحنين، وإذا شاهدها صغرت الدنيا في نفسه، وزهدت عينه في كل منظر سوى الكعبة، فكم من دعوات رفعت حولها، وكم من عبرات سكبت أمامها، وكم من قلوب تقطعت تريد بلوغها والتعبد عندها، يرخص المؤمن كل شيء من الدنيا ليصل إليها.[1]
معلومات أساسية عن الكعبة
هي ذلك البناء القديم، والبيت العتيق. أول بيت وضع للناس، وأول بناء للعبادة بُني على الأرض، رفع الخليل وابنه عليهما السلام بنيانه، ووضعه على أساس كان موجوداً قبله، ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ ﴾ [الحج: 26]. ابتناه الشيخ وابنه الشاب حتى أتماه وأحكماه، ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127]. فتتابعت أجيال على التعبد فيه، وطافت به أمم تلو أمم.[2]
مكانتها في الإسلام
لا يُعلم في الأرض بناء طيف به قدر ما طيف بالكعبة، ولا تعبد عنده كما تعبد عندها، ولا يحصي ذلك إلا الله تعالى. ولأهل الباطل أصنام وأضرحة يطوفون بها، ويتعبدون لها أو حولها، لكن الكعبة انفردت بأن التعبد فيها تعبد بحق، والطواف حولها طواف بحق، واستقبالها استقبال بحق ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [البقرة: 149].[3]
كما امتازت الكعبة بأنها تضرب في عمق التاريخ البشري، لم يتغير مكانها، ولم يطمر تاريخها، ولم يتخذ المؤمنون بناء غيرها، ولم يختلفوا عليها، ولم يملوا من التوجه إليها، وكل مؤامرات هدمها أو صرف الناس عنها باءت بالفشل الذريع، فالكعبة هي الكعبة منذ زمن الخليل إلى يومنا هذا، وإلى أن ينزل المسيح ابن مريم عليهما السلام فيطوف بها لقد حفظها الله تعالى بيتاً لعبادته، وقبلة لصلاته، ومقصداً لنسكه، ﴿ جَعَلَ اللهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ﴾ [المائدة: 97].[4]
وفي أول الإسلام كان المسلمون يتوجهون في صلاتهم لبيت المقدس حتى نزل قول الله تعالى، ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144]، فكانت الكعبة قبلة المسلمين إلى يومنا هذا، وإلى ما شاء الله تعالى، فزادها ذلك تعظيماً وتشريفاً حين صيرها الله تعالى قبلة للمسلمين، فيتوجهون إليها من كل أقطار الأرض كل يوم خمس مرات، عدا النوافل الأخرى وهي كثيرة. وفي صلوات الجمع والأعياد والكسوف والاستسقاء والجنائز تستقبل الكعبة، فهي تستقبل في كل صلاة سواء كانت فرضاً أم نفلاً، وسواء صليت جماعة أم فرداً، وبنيت مساجد المسلمين في كل الأرض على اتجاه واحد هو اتجاه الكعبة، ومن يصلي في البنيان أو في العراء يستقبلها، وأهم سؤال يشغل المسلم إذا سافر إلى أي بلد من بلدان العالم سؤاله عن اتجاه الكعبة، فكانت الكعبة حاضرة بشكل مكثف في حياة المؤمن.[5]
مقاس وأبعاد مبنى الكعبة المشرفة
تقع الكعبة وسط المسجد الحرام تقريباً على شكل حجرة كبيرة مرتفعة البناء مربعة الشكل، ويبلغ ارتفاعها خمسة عشر متراً، ويبلغ طول ضلعها الذي به بابها اثنا عشر متراً، وكذلك يكون الذي يقابله، وأما الضلع الذي به الميزاب والذي يقابله، فطولهما عشرة أمتار، ولم تكن كذلك في عهد إسماعيل بل كان ارتفاعها تسعة أذرع، وكانت من غير سقف، ولها باب ملتصق بالأرض، حتى جاء تبع فصنع لها سقفاً، ثم جاء من بعده عبد المطلب بن هاشم وصنع لها باباً من حديد وحلاّه بالذهب، وقد كان بذلك أول من حلىّ الكعبة بالذهب.[6]
الارتفاع : 12٫95 متر
الطول
- 11٫68 متر شمال شرقي
- 9٫9 متر شمال غربي
- 12٫04 متر جنوب غربي
- 10٫18 متر جنوب شرقي
المساحة : 119 متر مربع
ملخص قصة بناء الكعبة المشرفة
تبدأ قصة بناء الكعبة في عهد النبي إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما السلام- حين أمره الله بالسكن في مكة الجرداء. وبعد الاستقرار، أذن الله لهما ببناء الكعبة، فرفعوا قواعدها، كما قال الله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا} (البقرة: 127). استمر إسماعيل يجلب الحجارة وإبراهيم يبني حتى ارتفع البناء عاليا، حيث جلب إسماعيل حجرًا ليصعد عليه إبراهيم لإكمال البناء وهما يرددون: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} (البقرة: 127).[7]
توالت القبائل على صيانة الكعبة بعد ذلك، حتى جاءت قريش قبل البعثة بخمس سنين وقررت إعادة بنائها، وتجمعت القبائل للمساهمة في البناء لكن شبت بينهم نزاعات حول من يرفع الحجر الأسود، حتى اقترحوا أن يحكّموا أول داخل للحرم، وكان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-. فوضع الحجر في ثوب وأمر كل قبيلة برفع طرفه، ثم وضعه بيده الشريفة في مكانه، وبعد ذلك، قررت قريش بناء الكعبة من أموال حلال، إلا أن المال لم يكفِ، فتركوا الحجر خارج البناء، كما ورد في الحديث الصحيح: “ألم تري أن قومك قصرت بهم النفقة؟ ولولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة، وجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا، وأدخلت فيها الحجر” [8]
في عهد ابن الزبير، أعاد بناء الكعبة وزاد فيها ما قصرت عنه نفقة قريش، وجعل لها بابين. لكن في عهد عبد الملك بن مروان، أعاد الحجاج بن يوسف بناء الكعبة كما كانت في عهد قريش بعد أن أخبره عبد الملك بحديث عائشة، وآخر بناء للكعبة كان في العصر العثماني سنة 1040هـ، بعد أن أغرقت سيول عارمة مكة وأضعفت بناء الكعبة. فأمر محمد علي باشا بإعادة بنائها على يد مهندسين مهرة، واستمر البناء نصف سنة. ولازالت الكعبة شامخة تهفو إليها قلوب المؤمنين حتى يأتي أمر الله في آخر الزمان.[9]
خاتمة
تظل الكعبة المشرفة رمزًا خالدًا للتوحيد وعبادة الله، تجمع المسلمين من كل بقاع الأرض في كل صلاة، وتعبر عن تاريخ طويل مليء بالأحداث والعبر ومنذ بناءها على يد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، مرت الكعبة بعدة مراحل من البناء والصيانة، وكل مرحلة تعكس التزام الأمة الإسلامية بالحفاظ على هذا البيت العظيم وتعاقبت عليها الأجيال والقبائل، واستمرت قريش وغيرها من المسلمين في تجديد بنائها بأموال طاهرة، وإدخال التحسينات التي تليق بمكانتها وإن قصة بناء الكعبة ليست فقط تاريخًا مشرفًا، بل هي أيضًا درس في الإخلاص والتعاون والاتحاد تحت راية التوحيد ستظل الكعبة شامخة، محورًا لعبادتنا، ومصدر إلهام وأمل لكل من يسعى إلى الله بصدق وإخلاص، حتى يقضي الله أمره في آخر الزمان.
اقرأ أيضاً :
أذكار الصباح كاملة من القرآن والسنة
أذكار المساء كاملة من القرآن والسنة مكتوبة
المراجع
- الكردي، كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، ج3 ص 129, دار خضر، الطبعة الأولى 2000
- إعلام الساجد، محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق: الشيخ أبو الوفا مصطفى المراغي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط4، 1416هـ/ 1996م، ص45
- إعلام الساجد، محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق: الشيخ أبو الوفا مصطفى المراغي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط4، 1416هـ/ 1996م، ص45
- كتاب غريب القرآن، للأصفهاني، المحقق: مركز الدراسات والبحوث بمكتبة نزار مصطفى الباز، دار نزار مصطفى الباز، الطبعة الأولى، الجزء الأول ص 73
- أخبار مكة، محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي، تحقيق: رشدي الصالح ملحن، دار الثقافة، مكة المكرمة، ط2، 1416هـ/ 1996م، ج1، ص51: 53
- معلومات عن الكعبة المشرفة ، http://www.generalcomtech.com/kabah/eng-php/dimensions–holy-kabah.php
- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، محمد بن يوسف الصالحي، دار الكتاب المصري، القاهرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1410هـ/ 1990م، ج1، ص170.
- أخرجه البخاري (1586)، ومسلم (1333).
- كتاب الموسوعة التاريخية، ج1، ص 258
[1] الكردي، كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، ج3 ص 129, دار خضر، الطبعة الأولى 2000
[2] إعلام الساجد، محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق: الشيخ أبو الوفا مصطفى المراغي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط4، 1416هـ/ 1996م، ص45
[3] إعلام الساجد، محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق: الشيخ أبو الوفا مصطفى المراغي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط4، 1416هـ/ 1996م، ص45
[4] كتاب غريب القرآن، للأصفهاني، المحقق: مركز الدراسات والبحوث بمكتبة نزار مصطفى الباز، دار نزار مصطفى الباز، الطبعة الأولى، الجزء الأول ص 73
[5] أخبار مكة، محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي، تحقيق: رشدي الصالح ملحن، دار الثقافة، مكة المكرمة، ط2، 1416هـ/ 1996م، ج1، ص51: 53
[6] معلومات عن الكعبة المشرفة ، http://www.generalcomtech.com/kabah/eng-php/dimensions–holy-kabah.php
[7] سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، محمد بن يوسف الصالحي، دار الكتاب المصري، القاهرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1410هـ/ 1990م، ج1، ص170.
[8] أخرجه البخاري (1586)، ومسلم (1333).
[9] كتاب الموسوعة التاريخية، ج1، ص 258